طباعة

ابن رشد الأندلسي

Posted in الثقافة

ويَرى ابنُ رشد أنَّ العلامةَ الواسمة التي يُستدلُّ بها على القرحة المعدية، مثلاً، هي الحرقَة  حيث يَقول في كتابِه الكُلِّيات: "وأمَّا القروحُ الحادثة فيها ـ أي في المعدة ـ فنَستدلُّ عليها بالحرقة التي تصيب لأدنى شيءٍ يَمرُّ بها".

ويَقولُ "والنَّوعُ من القولنج الشَّديد المسمَّى عندَ القدماء (إيلاوش ) ... هو ما كان منه ذا أعراضٍ صَعبة، حتَّى يبلغَ بصاحبه أن يتقيَّأَ الزبل". وعلى ما يبدو، فإنَّ هذا المرضَ هو ما يُعرَف في أيَّامنا هذه باسم انسداد الأمعاء Intestinal Obstruction أو العِلوَّص ileus، حيث قد يَستفرِغ المريضُ البِرازَ إذا استطالَ المرضُ، وهي مَرحلةٌ متأخِّرة منه.

ومع أنَّ في النُّصوص الطبِّية العَربِيَّة، التي حُرِّرت قبلَ ابن رشد وبعدَه، ما قد يَنتَمي بصورةٍ أو بأخرى لهذا الصِّنف الأخير، أو يفيد البحثَ المعاصر في هذا المجال، فإنَّ كتابَ "الكلِّيات في الطبِّ" لابن رشد يَتَفرَّد عن غيره في أنَّه يفرض نفسَه كأوَّل كِتابٍ يطرح للمُناقشة موضوعَ التَّفكير العِلمي في الطبِّ؛ فابنُ رشد "الذي كان يُفزَع إلى فتواه في الطبِّ كما يُفزَع إلى فتواه في الفقه" ـ كما يُقول عنه كُتَّاب التَّراجم ـ يتَّخذ لنفسه في كتابه موقفَ المفتي فيما يجب أن يَكونَ عليه الطبُّ، حتَّى يَسموَ على مُجرَّد مجموعةٍ من المعارِف التي تَراكمت عبر الممارسة القائِمَة على الخبرة، ويَرتَقي إلى مَرتَبة العِلم الذي تُؤسِّسه "كلِّيات"، أي أسس ومَبادئ ومناهِج، كأساسٍ للفكر الطبِّي. ومن هذه الزَّاوية، يمكن القَول إنَّ هذا الكتابَ غيرُ مسبوق، ولم يظهر ما يماثله في موضوعه إلاَّ في القرن التَّاسع عشر.

يَستَهِلُّ ابنُ رُشد كتابَه الكلِّيات Colliget (حسب التَّرجة اللاتينيَّة) في الطبِّ بمقدِّمة يعرض فيها مشروعَه قائلاً: "فإنَّ الغرضَ في هذا القَول أن نُثبِتَ هاهُنا من صناعة الطبِّ جملةً كافية ـ على جهة الإيجاز والاختصار ـ تتضمَّن أصول الصناعة، وتكون كالمدخل لمن أحبَّ أن يتقصَّى أجزاء الصناعة، وكالتذكرة أيضاً لمن نظر في الصناعة؛ ونتحرَّى في ذلك الأقاويلَ المُطابِقَة للحقِّ، وإن خالفَ ذلك آراءَ أهلَ الصِّناعة).

يعرِّف ابنُ رُشد الطبَّ تَعريفاً لم يَقُل به من سبقَه ممَّن كتبوا في الطبِّ، حيث يقول: "إنَّ صناعةَ الطبِّ هي صناعةٌ فاعلة عن مبادئ صادقة، يُلتمس بها لحفظ صحَّة بدن الإنسان وإبطال المرض، وذلك بأقصى ما يمكن في واحدٍ من الأبدان"، وبقصد بذلك أن الطبَّ يعتمد على مُعطَيات التَّجربة والاستدلال العقلي. كما يَقول في مَوضِعٍ آخر: "الطبُّ هو صناعةٌ فِعلُها، عن العلم والتجربة، حِفظُ الصحَّة وإبراءُ المرض ... لأنَّه ليسَ يَكتفي في هذه الصناعة بالعلم دون التجربة ولا بالتَّجرُبة دون العلم، بل بهما معاً".

ويَشرحُ ابنُ رُشد مكوِّنات "الصِّناعة الفاعِلَة"، أو العِلم التَّطبيقي، فيقول: "ولَمَّا كانت الصَّنائع الفاعلة، بما هي صنائع فاعلة، تشتمل على ثلاثة أشياء: أحدها معرفة موضوعاتها، والثَّاني معرفةُ الغايات المطلوب تَحصيلُها في تلك الموضوعات، والثَّالث معرفةُ الآلات التي بها تحصل تلك الغاياتُ في تلك الموضوعات، انقسمت باضطرار صناعةُ الطب أوَّلاً إلى هذه الأقسام الثلاثة".

وبِناءً على ذلك، انقسمَ الطبُّ أوَّلاً إلى هذه الأقسام الثلاثة: الموضوع وهو بدنُ الإنسان، الغاية وهي حفظُ الصحَّة وإزالة المرض، والوسائلُ وهي التي تُحفَظ بها الصحَّة ويُزال المرض. ومن هنا نجد أنَّ ابنَ رشد قد فهرسَ كتابَه في سبعة أقسام ـ بعد المقدِّمة ـ وهي: كتاب تشريح الأعضاء، وكتاب الصحَّة، وكتاب المرض، وكتاب العَلامات، وكتاب الأدوية والأغذية، وكتاب حِفظ الصحَّة، وكتاب شِفاء الأمراض.

صَنَّف ابنُ رشد نحوَ خَمسين كتاباً بحسب ما ذَكرَ ابنُ أُصيبعة في كتابِه "عُيُون الأنباء في طبقات الأطبَّاء"، ولكن هناك من أَحَصى له أكثرَ من ذلك بكَثير؛ ومن هذه الكتب:

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed