الإثنين, 19 آذار/مارس 2012 17:32

التعلم الثقافة و المعرفة في منظور المجتمعات العربية

كتبه  ساسي سفيان
قييم هذا الموضوع
(3 أصوات)
هذه الدراسة محاولة من المحاولات، غايتها إثارة التساؤلات والجدل حول القضايا التكوينية في الثقافة والفكر من اجل تحقيق إنجاز ثقافي حضاري، يواكب حركة واقع تاريخي جديد يتحرك إلى الأمام حاملاً إرثه القديم للوصول إلى تطلعات ورؤى جديدة-قديمة.
قد لا تكون " التنمية " بمفهومها التخطيطي المستقبلي هي الإطار الوحيد أو الطريق الوحيد الذي علينا أن نسلكه في هذا المنعرج التاريخي الجديد، ورغم ذلك، فإنها واحدة من المسالك أو الأساليب التي علينا أن بنهجها.
 
التنمية :

إن المصطلح، كغيره من المصطلحات الاقتصادية، يحمل إشكالية عدم الاستقرار، وبالتالي تعدد التفسيرات، وقد لا يكون الهم هنا هو جلاء المصطلح، ولكن الأمر يتطلب الاستفادة من التجارب والتطبيقات التي قامت بها أمم وشعوب قبلنا.
كانت الرؤية التقليدية للتنمية تقوم على أساس لحاق الدول المتخلفة (دول العالم الثالث حسب تعبير مجموعة دول المركز) بالدول الصناعية المتقدمة والسير على نفس الطريق ( اقتصاد السوق) أي أن الاقتصاد وحده هو الهدف وهو المؤشر على التنمية، والتنمية بهذا هي تنمية اقتصادية محضة لا دخل لاعتبارات العدل الاجتماعي فيها، وتؤكد على تكوين رأس المال العيني الثابت على نحو تراكمي، وترى في عنصر العمل البشري أحد الموارد، كالطاقة أو الموارد الطبيعية، وأطلقوا تسمية "الموارد البشرية" على العامل الإنسان.
ولهذا المفهوم التقليدي، بطبيعة الحال، طرائقه وأساليبه، والتي أهمها عنصر " التقليد " ونقل النموذج كطريقة للتنمية، ولا يرد في الاعتبار عنصر " الإبداع " أو الابتكار، فالتنمية حسب هذا المفهوم عملية نقل وتقليد، فسادت مصطلحات " نقل التكنولوجيا " و "نقل العلوم" و " نقل وسائل نشر الثقافة خاصة العلمية " مما يبقي دول العالم الثالث في إسار الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية لدول المركز .
في دراسة هامة نشرها البنك الدولي بعنوان " معجزة شرق آسيا " توصل الباحثون إلى أن تكوين " رأس المال البشري " هو أهم أسباب تلك المعجزة .
وبهذا أخذت النظرة التقليدية للتنمية تتطور إلى رؤية جديدة تعتمد على تطوير قدرات الإنسان، وتطوير مجالات " الابتكار " في جدلية مضطرة للواقع التاريخي الحضاري و التحفيزات الوطنية وقضايا المستقبل والعدالة الاجتماعية، فالإنسان هو الهدف والوسيلة في آن واحد، به وله تتحقق التنمية.
وهكذا ظهر مفهوم التنمية المستدامة، أو التنمية المضطرة، كما يسميها الدكتور إسماعيل صبري عبد الله، ومنها تبلورت مفاهيم التنمية البشرية المستدامة، التي تعود بنا مرّة أخري إلى مقولة " الإنسان أثمن رأسمال " لتتأكد من جديد أهمية وصحة هذه المقولة.


علاقة الثقافة بالتنمية :
الثقافة هي المعيار التي تتحدّد به هوية كل مجتمع بشري، ولا يمكننا تصور مجتمع بلا ثقافة. ولكل مرحلة من مراحل حياة المجتمع سمات ثقافية، تتأثر وتؤثر في عوامل نهوضه أو تفككه، وتتواجد داخل المجتمع نفسه مجموعة من الثقافات الفرعية لِتَغَيُّر في السمات والمظاهر والمستويات المعيشية والعوامل الجغرافية والمناخ وطرائق الإنتاج، وبهذا فان الثقافة الفرعية هي ثقافة قطاع مميز من المجتمع، لها جزء ومستوى مما للمجتمع من خصائص، إضافة إلى انفرادها بخصائص ذاتية. ويكتسب الفرد الثقافة من مجتمعه، ولكن وبوصفه عضو في قطاع اجتماعي معين، فانه لا يحمل كل ما في ذلك المجتمع من عناصر الثقافة .
ومفهوم " الثقافة " إلى حد اليوم لم يقر له قرار، فهو من المفاهيم أو المصطلحات الزئبقية أو العائمة، فنحن إذا ما حاولنا تتبّع هذا المصطلح نجده يزيد على المائتين عّداً، ويختلف مفهوماً لرجوعه تاريخاً لتطورات عديدة سواء من حيث مدلوله أو تعريفه الأنثروبولوجي.
إلا أننا يمكن أن نركن إلى تعريف الأنثروبولوجي الإنجليزي إدوارد تايلور Taylor في كتابه " الثقافة البدائية " الصادر عام 1871 بأنه التعريف الأكثر تكاملا ودقة، والذي جاء فيه أن الثقافة هي: " ذلك الكلّ المركّب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن و الأخلاق وغيرها من القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في مجتمع ما، وهي تشمل الأشياء مثل الأدوات والفنون التي يتوسل بها الإنسان حياته ".
وتتمثل مكونات الثقافة في أنماط السلوك التي تُحدّد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وأنماط السلوك التي تمثل علاقته بما حوله من مادة، وأنماط السلوك التي تمثل علاقته بعالم القيم و الأفكار .
ومن البديهي أن أنماط السلوك هذه هي مركبات لظواهر متعددة، وهي لا توجد في الواقع الاجتماعي بصورة مستقلة بل هي في تداخل وترابط بحيث يتعذر، أحيانا، التمييز بين ما هو مادي منها وما هو فكري.
ولعل الدعامة الأولى في " المتغير" variable le الثقافي هي المعرفة " التعلّم " التي تطرد من الثقافة ما هو متخلف أو غيبي، لتُحِلّ مكانه ما هو اكثر تقدماً وجدّة على أساس من الحقائق الموضوعية والمنجزات العلمية و المثاقفة.


وبهذا، فان " المتغير" الثقافي يشكل أهم عوامل العناصر التكوينية لكافة المجتمعات والحضارات في كافة العصور والمراحل التاريخية، سابقها واللاحق .
إنّ " التنمية الثقافية " هي التعامل مع عامل "المتغير" في الثقافة السائدة سواء في الذائقة الجمالية النمطية المستقرة " ثقافة الآداب والفنون و جمالياتها " أو في منحى التوجه العلمي في الثقافة " ثقافة العلوم " وذلك بالبحث والتجريب والاختيار واكتساب المهارات و المعرفة، للتفلت من إطار النمطية والاستقرار وتحقيق تطلعات مستقبلية " ابتكاريه " نتجاوز بها مرحلة النقل والتقليد واستيراد المناهج والقيم والمفاهيم، مثلما نستورد الآلات والتكنولوجيا في ثقافتنا العلمية السائدة .
و " التنمية الثقافية " في تبسيط أكثر، هي وضع خطة متحركة ذات منهاج وفلسفة واضحين، للتغلب على النواقص الثقافية وملء الفراغان، خلال فترة زمنية محددة وبمعدلات يمكن قياسها .
أي أنها فضاء تتحرك فيه مدارات معرفية غير محددة، بمنهجية أولويات اكثر أهمية، لتطوير وجدان معرفي مستقبلي يأخذ بتطوير قدرات الإنسان على الإبداع الحياتي وينفي التقليد والنقل. فضاء وآفاق للثقافة تجعل الممكن ممكنا.
ولعلنا في هذا السياق نلتقي بإرادة حارّة ومشتركة من أجل التعرف بالحوار والنقاش والكد الذهني، على الأولويات الأكثر جدارة بالتنفيذ، وتكوين اللجان المتخصصة ووضع البرامج والخطط التي تجعل التنمية الثقافية عملية مجتمعية، تتضافر، من اجل تحقيقها، جميع الجهود و الإيرادات الخلاقة .
إن مصطلح " التنمية البشرية المستدامة " يعني، وببساطة ومن وجهة نظري، " التنمية الثقافية المتجدّدة " إذ لا كبير فرق. وهنا يلتقي المصطلحان .


التعلم والثقافة :
قلت قبل قليل أن المعرفة " التعلّم " هي الدعامة الأولى في المتغير الثقافي، وأضيف هنا أن " التعلّم " هو شرط أي " متغير " سواء كان ثقافيا أو غير ثقافي، ولعلها بديهية نقولها، ويرى البعض أنها لا تستحق القول أو التسجيل، ولكن التعلم إذا نظرنا إليه بكونه عامل تغيير، فإننا نحرك مفهوماً طال ركوده، فالتغير مفهوم مستقبلي، والتعلّم بهذا يصبح تعلّماً لمواجهة التحديات المستقبلية، ويتطلب الإعداد المعرفي الذي يضمن ذلك .
إن العلامة الصفرية في الميل الأول من رحلة الألف ميل الثقافية، التي نوطد النفس على السير فيها، هي المناهج المدرسية والجامعية بأشكالها النظرية والتطبيقية وتخصصاتها المختلفة.
لقد توقفنا طويلاً، ولم نملّ الوقوف، للإجابة المكررة على التساؤل الذي مؤداه: كيف نعلّم ؟ وحصرنا الهدف وكأنه عملية التعليم أو بالأحرى عملية التدريس ذاتها، أي ما تقتضيه علوم المناهج وطرائق التدريس في مراحل التعليم المختلفة، ولم نلتفت كثيرا للإجابة على التساؤل ماذا نُعلّم؟ لأن لدينا مقررات ومناهج رسمت لنا، فكر فيها غيرنا وسلمنا نحن بذلك.
إن الإجابة على التساؤل : ماذا نُعلّم؟ تدخلنا إلى كل ما يتصل بالتعليم كمنظور اجتماعي، وهو ما يجعله قضية ثقافية في المقام الأول، تراود جميع الزوايا الاقتصادية والثقافية، ويتطلب فهمها ودراستها تعدد زوايا الرؤية وتوسعها باتساع المجتمع ذاته .
نحن إذن إزاء عملية أساسية، ضرورية وهامة، يجب أن نضعها في المقام الأول من الأولويات ، ويجب أن لا ننخدع بالقول إن نسبة خريجي الجامعات من الفلسطينيين تعادل أو تتفوق على أعلى النسب في العالم. إن المقياس الحقيقي للتعلّم هو مدى الإسهام في عملية التغيير المجتمعية والابتكار المشارك في المسيرة الإنسانية.


نشر المعرفة العلمية والتعلم :
يمكننا في سياق الحديث عن عملية نشر المعرفة العلمية التطرق إلى التعلم كنشاط معرفي يمثل إحدى أوجه هذه العلمية ، كما يمكننا تحليل وتفكيك نشاط التعلم - كما ورد في الدراسة - وفق العناصر التالية :
-1 الدافع المعرفي للتعلم :
لا شك أن وراء التعلم دافعاً معرفًيا وهذا الواقع لا يعتمد على إثابة خارجية فقد تكمن إثابته في مجرد الإشباع و في الغاية الناجحة للتعلم ، ونرى هذا المعنى متضمناً في مفهوم " بر ونر " عن " إرادة التعلم " فهو يعني بهذا التعبير ، دافعا فطريا و يظهر بدرجة واضحة في الجو التفاعلي بالمركز الثقافي ، أو يبدو في رغبة الشباب في التنافس والتفوق ، وفي هذا الإطار نعتمد على مقولة أن التعلم هو :
- اكتساب للمعرفة مهما كان نوعها ، والاحتفاظ بمعارف خاصة تكون للفرد بمثابة إطار مرجعي يفسر به الخبرات والمواقف التي يمر بها.
ومن هذا المنطلق يمكن لنا القول : بأن مفهومنا عن التعلم يقترن في الأساس بمعرفة أن الدوافع المرتـبطة بالـتعلم هي من قــبـيـل الـدوافـع الـذاتــيـة الـتي تـكــمـن إثـابــتـهـا فــي الـنــشـاط الـمـرتــبـط بموضـوع التعـلم نـفسـه ، حيث يعـتـبر الدافـع المعرفي ، هـنـا يشـيـر إلى نـقـطـة هـامـة و هـي أن أحـد هـذه الـدوافـع الـهـامـة فـي عمليـة التـعـلـم هـو اكتـسـاب الـمـسـتـمـر لـلـمـعـرفـة والـذي يـتـطـلـب أسـلـوبـا مـعـيـنـا فـي التعلم يتلاءم مع مطالب التعلم المستمر ، و قد لا يلائمه الأسلوب التقليدي ،( والمعتمد على مدرس معين ومناهج محددة وطريقة نمطية في التعليم ) ولكن ما يلائمه أكثر ما يسمى بأسلوب التعلم الذاتي و يكمن الإشارة إلى خصائص الشخص ذي الدافع المعرفي العالي و هي :
- الإقبال على إتقان المعلومات وصياغة المشكلات وحلها ،
- الرغبة في تناسق الأفكار والاتجاهات و المعارف والقيم ،
- الرغبة في معالجة الموضوعات المعرفية والعلمية ،
- الميل إلى الغامض من الموضوعات والأشياء والاستجابة بملل إلى كل ما هو مألوف وشائع ، ويمكن تقديم تعريف إجرائي للدافع المعرفي للتعلم على أنه " رغبة الفرد المستمرة لاكتساب المعارف أو زيادتها ، وحرصه على المعالجة اليدوية أو الفكرية لموضوعات المعرفة .


-2 أنواع التعلم الثقافي :
واذا كان حـقـيـقـيـاً أن الـتـفـكـيـر يـظـل خـاويـاً إذا عـزل عن المعلومـات إلا أنـه لا يـقـل عـن ذلـك أهـمـيـة اعـتـبـار أن الـمـعـلـومات المجزأة وحدها تـكون مانعاً عن التفكير الصحيح ، ولا شـك أن هـذه الـتجزئـة في التـعامل مـع الحقـيـقـة هي أخطر أساليـب إصابـة الإرادة والـقـدرة على الـتفـكير بالـشـلل عـنـد الشـاب لأنـهـا تـدمـر كـل نـوع مـن أنـواع حـيـازة الـصـور الـمـركـبـة عـن الـعـالـم فـي ذهـنـه ، واذا تــحدثــنــا عــن عـمـليـة التـعـلم داخـل الـمركز الـثـقـافي فـإنـنـا نـتـحدث عن عـملــية تـأخـذ عدة صور و أشكال ، يمكن تحديد أهمها حسب ما لاحظنا فيما يأتي :
-1التعلم عن طريق الاستماع والقراءة : حيث يفسح المجال هنا أمام القراءة والاستماع ليس هنالك خبرة مباشرة للواقع ، وانما قد يقرأ عن موضوع من المواضيع المتصلة بذلك الواقع الذي سبق أن مارسه غير المتعلم ، فدوره هنا أن يقرأ عن تلك الخبرات التي اكتسبها غيره في مجال من مجالات أو يسمع عن طريق الحديث والاستماع ، ونلاحظ أن المتعلم – الشاب – في هذه الحالة يركز على الاطلاع على كتب التاريخ والعلوم والثقافة وتصبح المـيول الـخاصة مـسـيطـرة علـى نوعـيـة مـا يـقـرأه الشاب لذا يصبح على المنشط أو المربي أن يسعى إلى إثراء خبرة الـشاب وتوجـيـهه فيما يقرأ وما يـمكنه أن يسـتفيد منه خلال العملية المطالعة و القراءة .
-2التعلم عن طريق التدريب الفكري أو اليدوي : باستعمال الشاب للخبرات المباشرة وذلك عن طريق التدريب الفكري كممارسة نشاطات فكرية هامة وضرورية الإعلام الآلي الإنترنت ، الموسيقى ، الألعاب الفكرية والذهنية ويمكن أن تمثل نشاطات أخرى دافعا تدريبيا ممارسة الرياضة ، التمثيل ، إضافة إلى ممارسة التدريب اليدوي عبر النشاطات العلمية والثقافية التي تقدمها المراكز من نوادي علمية واختصاصات مهنية بحيث يتم الاحتكاك بمجالات أو ميادين العمل من مؤسسات اقتصادية أو شركات إنتاجية لاكتساب الخـبـرات والـمـفـاهـيـم الـجـديـدة الـتـي تــتـصل مباشـرة بالـمـيـدان وذلـك ما يـساعد على إكساب الشاب المهارات اليدوية والتقنية ، بطرق مباشرة .
3-التعلم عن طريق الملاحظة : وهنا تلعب الملاحظة البصرية دورها في عملية التعلم كأن تقوم المنشط بعرض الخبرة أمام متعلميه بحيث ينحصر دورهم على المشاركة المحدودة والمشاهدة والملاحظة حتى يكتسبوا صوراً ذهنية عن الموضوع وذلك قبل توفير الخبرة الكاملة لممارستهم له ، وهنا يستعمل مجموعة من الوسائل التعليمية المتواجدة في شكل نشاطات يعمل المركز الثقافي على توفيرها ، ومن اشهرها التمثيليات ، الرحلات و الزيارات الميدانية ، الصور والرسوم عبر المعارض التاريخية أو الفنية مع استعمال تقنيات الشرح و التوضيح .


تعليم المعرفة و تعليم المهارات :الضرورية الجديدة في المجتمع الحديث هو أحد الأهداف الرئيسية للمركز الثقافي ، فهنالك حاجة ملحة لمعلومات جديدة في الـقـطاعات الاجتماعية السريعة التغيـيـر كافة كالتعليم ، الزراعة ، الصحة ، تنمية المجتمع و المهارات الصناعية ومـحـو الأمـية العلـمية ، فتعلـيم المهارات لجديدة يجعل الأفراد أكثر تطلعـا للحصول على المزيد من المعلومات انطلاقـا مـن مقولة المعرفة تغذي المعرفة ، كما أنها تعتبر قاعدة العمل الاجتماعي والتعلم هنا والتي تقود إلى زيادة التعرض لنشاطات المركز الثقافي فهنالك علاقة ارتباطيه بين التعلم وممارسة النشاطات بالمركز ، وعامل آخر هـو الـدافـع لـلـعـمل الجيد لمواجـهة التـحديات والذي يعتبر سمة من سـمات الإنسان المعاصر
والمجتمعات الحديثة وتسمى " الحاجة للإنجاز " ومداها .
التعلم التفاعلي : وهو الوضع الذي يتفاعل فيه مواقف الشاب واتجاهاته وقيمه ومعارفه مع وضع مواقف و معلومات ، مهارات باقي الشباب المشاركين معه في النشاط و" للتعلم التفاعلي أساليب منها ، القصة و لعب الأدوار المسرحية ،الألغاز ، الألعاب الفكرية ، الرحلات و الزيارات الميدانية و إلى غيرها من الأساليب حيث أن لكل أسلوب منها مزايا ينفرد بها عن غيره ، وتبرز الفوائد الناتجة عن نجاح هذه الأنواع من التعلم إذا كنا قد نتحدث عن التعلم والتعليم - في دراستنا هذه – فلا نقصد بذلك عملية التعليم النظامي أو الرسمي- رغم تطرقنا إلى مؤسسة رسمية حكومية التي تتم في المدارس والمؤسسات التعليمية بأشكالها المختلفة ، وانما نتحدث عن تلك العملية التعليمية ، المعرفية ، التربوية ، التي تحدث بالمراكز الثقافية ، والتي تساعد بشكل أو بآخر على عملية التدريب الذهني " الفكري " و استخدام المنهج العلمي ، إضافة إلى تدريب على طرائق وأساليب تفكير علمية يستفيد منها الشاب انطلاقا من حياته الدراسية وصولا إلى حياته اليومية ،

والتي يمكن أن نصنفها فيما يلي :
-التدريب على التفكير الابتكاري والإبداعي : إلا أن تحديد العوامل والظروف التي تنمي التفكير الإبداعي والابتكاري ليس بالأمر الهين ، ذلك لأن هذه الظروف قد تتوفر على الرغم من وجود ظروف اجتماعية واقتصادية سيئة كالفقر و الحرمان ، و توجد بتوفير التعليم – ولو بشكل غير نظامي – وعلى العموم يمكن أن نتوقع أنها توجد حينما يتعرض الـشاب لكثير من الأفكار والمعلومات بسبب تناوله للكتب المجلات و الجرائد والى المحادثات الذكية ، وتوفير فرص اكتساب المهارات التكنولوجية العامة ، والمهارات الفنية والمعيشية مع أفراد من أصحاب المهارات الاجتماعية الناجحون في علاقاتهم و تعاملهم مع الأفراد الآخرين .
-2التدريب على حل المشكلات : تقوم طريقة حل المشكلات على أساس وضع الشباب في موقف يستثير تفكيرهم ويستحثهم على جمع المعلومات والحقائق وتحليلها ، والوصول إلى قرار نهائي بشأن هذه المشكلة وينبغي أن تكون المشكلات نابعة من ظروف و واقع و وضع الشباب وليست مفروضة عليهم فرضا وأن تتفق مع مستواهم الثقافي العقلي و التحصيلي ، لذا يمكن القول أن طريقة حل المشكلات تتضمن الخطوات الآتية :
-1الإحساس بالمشكلة
-2 تحديد المشكلة ووصفها
-3 جمع المعلومات عنها
-4 صياغة الفروض
-5 إصدار الأحكام والقرارات
ويجب أن تكون المعلومات التي يحصل عليها الشاب من خلال دراسة المشكلة قيمية في حياتهم ، وأن تكون المشكلة فرصة لممارسة التفكير العلمي السليم ، ويجب الاشتراك في التخطيط و التنفيذ في حل المشكلة وأن يشجعوا على الرجوع إلى مصادر المعرفة المختلفة ، و أن تنمي أذواقهم وتكشف عن سلوكهم و ميولهم .


الحاجة إلى المعرفة العلمية والتعلم
إن عملية اكتساب المعرفة تجد عدة تفسيرات لها بحسب الاختصاص العلمي ، لذلك وجدنا انه تتعدد المقاربات الحاجة إلى المعرفة العلمية والتي تطرقنا من بينها إلى :
-1 المنظور النفسي :
إن الاهتمام بالحاجة إلى المعرفة والتعلم قد ظهر واضحا في الفقه التربوي كنتيجة لحركة شهيرة عرفت باسم " التربية الحديثة " تلك الحركة التي وصفها المربي السويسري كلاباريد claparede بأنها تمثل " ثورة كوبرنيكية "
ولقد أجمع مفسروا التربية الحديثة على تأكيد الرأي القائل بفائدة تنظيم عملية نقل المعرفة العلمية استنادا إلى الاهتمامات والاحتياجات ومن الملاحظ على الدراسات التي تناولت مفهوم الحاجة إلى المعرفة والتعلم من هذا المنطلق اتجاه نظرتها إليه من منظور " نفسي شخصي " وحول هذا المعنى تدور تعريفات كثيرة تحفل بها الكتابات التربوية وتفسير هذه الحاجة على هذا النحو معناه : " إن الحاجة من وجهة النظر النفسية هي ما يشعر به الفرد من ميول ورغبات وأمنيات ومشكلات وما يستطيع التعبير عنه من هذه النواحي ".
المنظور الاجتماعي :
وفي مقابل وجهة النظر هذه كانت هنالك وجهة نظر أخرى بمنظور اجتماعي ، تـبـدى ذلك من قـول كـونت A.COMPTE " أن قـيام الـمـدرسـة بـتـقديـم علم الاجـتمـاع للـبـشــرية يقوم على الـدراسة العلمـية المنهجـية للوقـائع والظـواهـر الاجتماعية من شانه أن يعمل على تطوير الميول الغيرية وروح التضامن كما أن من شانه أن يعمل على تراجع الدوافع الأنانية التي شجعت على ظهورها فكرة الخلاص الشخصي التي قالت بها المسيحية ، لنجد أن المقاربة الاجتماعية لاكتساب المعرفة العلمية تتلخص في الدور الذي تلعبه المدرسة كمؤسسة تعليمية
ويزيد في توضيح هذا الاتجاه قول دوركايم EMILE DURKHEIM " أن النظام التربوي الذي يصطنع هو الذي تتطلبه الأوضاع وتسمح به ون غيره "


إذا كان هنالك مفهوم حاجة بالمعنى النفسي وأخرى ترتبط بالمعنى الاجتماعي ، فليس معنى ذلك الانفصال الكامل بينهما ،فمن المؤكد انه ربما يؤدي إشباع المطالب الاجتماعية إلى تحقيق غايات نفسية إما يتم إدراكها حال حدوثها أو أنها تكون متضمنة في الحاجة الاجتماعية ذاتها وفي ضوء ذلك نستطيع أن نؤكد لمعنى الحاجة مستويين هما :
-1 المستوى الأول : بيولوجي نفسي
-2المستوى الثاني : اجتماعي بيئي
بناءا على ما تقدم فالحاجات تشابك في مجالات شخصية وأسرية واقتصادية واجتماعية ، أي أنها لا تنشأ ولا تعمل في فراغ وانما في سياق القوى والبنى الاجتماعية العاملة في المجتمع ، ومن هنا فالدراسة الحالية تميل إلى اخذ الحاجات المعرفية على أنها حاجات نفسية اجتماعية بالنسبة للشباب على أساس أن مجالات نشاطهم وارتباطهم في الأسر وفي العمل وفي الجماعات المختلفة ، والمجتمعات المتباينة ، ومن هنا نستطيع أننا نعرف الحاجات المعرفية والتعليمية الأساسية بأنها : " مجموعة المعلومات والمهارات والاتجاهات القـيم الـتي تمـكـن الفــرد والجماعات مـن التـعامل مع مشـكلات الحيـاة اليوميـة الأساسية هذه المشكلات تتعلق بالطعام ، الصحة الإسكان ، المشاركة الاجتماعية ، السياسية وبالإنتاج والتسويق والتعلم إذا فهي مشكلات يومية تتصل بمختلف ميادين الحياة دون أن تختص بإحداها .
" إن الشكوى الرئيسية للعرب بشأن التعليم هي أنهم ليست لهم سيطرة عليه... ويبدو أن نظام التعليم العربي إما أن يكون تعليماً قد صمم ليجعل العرب يتقبلون سياسة إقامة وطن قومي لليهود، وإما لكي يأتي تعليماً لا لون له، بحيث يصبح غير ضار، وبالتالي لا خطر منه على تنفيذ تلك السياسة "
كان هذا هو التغييب المتعمّد في عملية الإعداد المعرفية والثقافية للمجتمعات العربية ، بحيث يصبح هدف الثقافة وظيفياً لا إبداعياً أو معبراً عن الذات.
إننا مدعوون، أولا وقبل كل شيء إلى نسف الأسس التي جعلت التعليم عدما، وإحلال أسس جديدة، تقوم على فلسفة جديدة، دون الإخلال بالركائز التقليدية، كمبدأ مجّانية التعليم ومبدأ الإشراف والتمويل الحكومي، ومسؤولية الدولة عن توظيف خريجي الجامعات والمعاهد، ونظام تنسيق القبول بالجامعات... الخ.


نحن نعلم أن جهوداً تجري اليوم من اجل تطوير المناهج المدرسية... إن هذا التطوير يجب أن يتجنّب " النقل " وأن يعمل بفكرة " تثوير التعليم " وجعله أساساً لمقدمات عمليات التغيير الاجتماعي والفكري، بحيث تقوم هذه المناهج على مبدأ "التعليم من اجل المستقبل" انطلاقا من الظروف التاريخية والاقتصادية التي تحيط بالمجتمع، وتلقي بآثارها على العملية التعليمية، و إدراك التفاوت في المفاهيم والقيم و الأخلاق والتراث مع المجتمعات الأخرى.
ولما كانت الدراسة في محصلتها النهائية تهدف تقدم الإنسان، فان المناهج تتطلب الاشتمال على تهيئة المناخ القادر على التغيير ودفع عجلة التقدم، وما يمكن أن يحدثه من تغيير في سلوك الطلبة والمدرسين وهذا المناخ يمكن أن تحققه الشواهد الكثيرة والتي منها :
- إيجاد نظام للمشاركة بين الطلبة وإدارة المعهد.
- خلق قنوات اتصال دائمة بين المعهد ومؤسسات المجتمع .
- مساعدة إدارة المعهد للطلاب في تحقيق ذواتهم بتشجيعهم على عمليات النشر والطبع والسفر وحفلات التمثيل والعمل وقت العطل .
- إيجاد أنظمة دائمة لتجديد معلومات المدرّس وطرق التدريس .
- إيجاد نظام للتزاور بين المدارس المختلفة وكسر حواجز السن والجنس والمكان .
- الاستفادة بالطالب كمصدر لمعرفة المدرّس و لأدارة المعهد .
أما المناهج ذاتها فيجب تغيير كل الممارسات الحالية في تطبيقها، وذلك بالانتقال من التعليم الجماعي الكثيف إلى التعليم الجماعي شبه الفردي
من المناهج والمقررات الدراسية المنفصلة إلى المقررات الدراسية المتداخلة المترابطة من استيعاب المعلومات بالحفظ إلى البحث الإيجابي من البرامج اليومية الثابتة إلى الجداول المرنة من التدريب على المهارات والمعارف الشكلية إلى خلق قدرات التقدير والتذوق والاختيار التي تثير الرغبة في التعرف من التوجيه والمبادرة من المدرس إلى مبادة الطالب والتخطيط الجماعي


- من التركيز على المقررات المدرسية إلى تنوع مراجع ومصادر المعرفة
- من الإجابات المحفوظة إلى الوعي بالمشاكل والاستيعاب العام
إن " التعليم " هو المقدمة الأولي لنجاح برامج التنمية البشرية المستدامة، وهو المقدمة لكل مجالات التنمية سواء كانت في الثقافة أو في مجالات أخرى.
وأجد أنه علينا أن ندرك مدى التحذير الرهيب الذي تضمنته مقولة هـ. ج ويلز الشهيرة بأن :
" المستقبل هو السباق بين " التعلم " و " الكارثة ".

المصدر: www.akhbar.khayma.com

إقرأ 17726 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 25 أيلول/سبتمبر 2012 08:32
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed