طباعة

الزمن قراءة تحليلية موجزة

Posted in الثقافة


وعلى هذا النمط الأرسطي يسير محمد الفارابي (257-339 ه/870-950 م) قائلا: "أن الزمان إنما هو عدد حركة الفلك وعنه تحدث، وما يحدث عن الشيء لا يشتمل ذلك الشيء"5. ورغم تأكيده على أن الوجود محدث دفعة واحدة من الله، لكنه يتفق أيضاً مع أرسطو بجعل الزمان أزلياً أبدياً. حيث أن الوجود بأسره لا يكون متأخراً بزمان عن وجود موجده وموجبه وهو الله. إذ أن المعلول إنما يوجد بوجود علته حيث لا يتأخر عنها قط إلا في حالة نتيجة في النقص أو العجز يعيقه من أن يخلق آثاره. وإذاً فأن التلازم بالزمان يكون ضرورياً بين العلة والمعلول. أما سبق تقدم العلة على المعلول فيراه الفارابي من حيث المنزلة السامية وليس من حيث الزمان. كما في حركة اليد التي تكون متقدمة على حركة الخاتم الذي يتحرك بحركتها حيث إنهما يتحركان سوية، غير أن حركة اليد تكون ذاتية بينما حركة الخاتم غير ذاتية بل لازمة عن الحركة لليد. وهكذا هو الأمر الذي يكون بين الله والوجود، حيث هما أزليان أبديان. إلا أن تقدم الله على الوجود يكون بالذات علاوة على أزليته في الزمان. والوجود كذلك أزلي بالزمان إلا أنه معلول عن علة الأول الذي يكون أدنى منه بالمنزلة.
صفوة القول، أن الوجود محدث من الله ولكن بدون زمان، وعن حركة الوجود حدث الزمان الذي "هو عدد حركة الفلك". وهكذا يقف الفارابي بجانب الكندي داعماً فكرة أرسطو ضد أفلاطون،  حيث أن الزمان يكون مقياساً إلى الحركة ومقدار عددها، وليس هو الحركة بذاتها.
ويذهب الحسين أبن سينا (370-428 ه/980-1037 م) على خطى الفارابي. فالزمان قديم والوجود محدث. فوجود الأول (الله) هو علة إلى الوجود، وأن الوجود هو معلول عن وجود الأول. والعلة تسبق متقدمة معلولها دائما. وأن المعلول يتأخر بتأخر عن علته دائماً. وهنا تكون الأقدمية بالذات لا بالزمان. كما في حركة اليد للمفتاح. فإذا "حركت يدي فتحرك المفتاح، أو ثم تحرك المفتاح، ولا نقول تحرك المفتاح فتحركت يدي، أو ثم تحركت يدي، وإن كانا معاً في الزمان. فهذه بعدية بالذات"6. أما إذا قلنا أن الوجود متأخر بالزمان لوجب علينا القول في القبل، حيث هناك زمان لم يكن فيه. وهذا القبل قطعاً لا يثبت مع البعد. إذ ينتهي حيثما يحصل فيه. وعليه فأن الزمان يكون مستمر التواصل،

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed