طباعة

نحن وأبناؤنا وفنون الحياة

Posted in النشاطات

familyلا يمكن أن نحقق تعليما جيدا ينقلنا خطوات ذاتية دون تربية صحيحة وليست حسنة فقط، فكم من الوقت نبذله في ذلك مقارنة بانشغالنا الدائم بمستوياتهم في التعليم، وهناك من لا يهتم بهذا ولا بذاك، فيما القليل هم الذين يوازنون دورهم التربوي ويحرصون على ما حرص عليه أهلنا من قبل بأن يعدوا رجالا وبنات لمسؤوليات الحياة.
أيضا لا يمكن أن تكتمل التربية دون أن تجد لها أساسا وصدى في التعليم الذي يؤهل للحياة وليس للشهادة فقط، وهنا أعود قليلا إلى الواقع اليومي وأتساءل : كم من الأمهات تعلم ابنتها كيف تفكر بجدية في مسؤولياتها والتزاماتها الحياتية كما هي الأخلاقية وأي مهارات وخبرات حياتية تمنحها لها.. وكم من الآباء يعطي أبناءه ما يستحقون من اهتمام ومتابعة وتوجيه ؟!.
إن الكثير من الأسر لا تستغل أوقات أبنائها وبناتها ولا يعلمونهم قيمة الوقت ولا فن إدارته ولذا لا نستغرب أن تدب الفوضى في تفكيرهم وحياتهم، لكن الغريب حقا أن يعتاد هؤلاء على الفوضى والإهمال التربوي ولا يتنبهون لخطورة ذلك إلا بعد فوات الأوان وعندما تداهمهم المشكلات. وقد يأتي يوم تجد الأم نفسها وحيدة في أعمال البيت، والأب لا يجد ابنه قريبا منه ولا يتحمل دوره تجاه والديه وإخوانه وأخواته.. ومن هنا أيضا نفهم لماذا يضرب الكسل والتراخي بأطنابه في الأجساد وخمول العقل تجاه أمور الحياة.
إن جودة الحياة فن رائع وأصبح علما، وفي العالم شعوب ومجتمعات تحرص على هذا الفن، وتبحث في علومه ويقرؤون دراساته ويتابعون برامجه في الإعلام، بل هناك شعوب تبني حياتها على الجودة وينظمون دورات للمقبلين على الزواج، وقد أشرت في مقال سابق إلى ذلك وضربت مثالا بماليزيا.. ودورات في إدارة الوقت وأخرى في التخطيط للحياة واتخاذ القرارات ودورات في التخطيط للأسرة والعمل.
هؤلاء تكبر أجيالهم على قيم صحيحة تعينهم على الاستفادة من التعليم المتطور أصلا ومن حياة الأسرة.. والكل على قناعة بذلك ويحترمه ويتقبله، لكن انظروا إلى حالنا وكيف يكون رد الفعل عندما تنصح ابنك أو توجهه لشيء فيه مصلحته؟!.
وفي نموذجنا الأسري والاجتماعي – إلا من رحم ربي - إن لم يتجادل الأبناء ويوجعوا قلب أهلهم على الأقل، يهزون رؤوسهم ثم يفعلون العكس أو (يسووا اللي في راسهم) وآخرتها تطفش وتترك الحبل على الغارب، والسبب غياب التخطيط لحياة الأسرة والأبناء والوقت ولجودة الحياة التي لا تعني الانبساط وإنما السعادة الحقيقية ورضا الإنسان بأن يلتزم بما عليه وينجزه ويساعد محيطه ويتخلق بالأخلاق الحميدة والعادات الطيبة.
لقد جاءت علينا فترة زمنية لاحظنا فيها تأفف الكثير من شبابنا عن أعمال معينة، واليوم عليها قبول لا بأس به وبرواتب أقل، لأن النظرة الاجتماعية كانت خطأ.. ولكننا لم نصل بعد إلى حد القناعة الذاتية المطلوبة، ولا يزال بعضنا يستكبر على مهن خاصة الخدمية.
يحكي لي صديق أن لديه في العمل مراسلاً من جنسية آسيوية وآخر سعودي، وذات يوم زاره وفد أمريكي فقال لمساعديه من الأفضل أن نقدم قهوة عربي وأن يقدمها أخونا المواطن، فنصحه مساعدوه بأن لا يطلب ذلك لأنه لن يفعل باعتبار أن هذا من عمل المراسل (الوافد ) فما كان من المسؤول صاحبنا إلا أن صب القهوة بنفسه وقدمها، وقد أراد أن يقول لضيوفه إننا نتولى أمورنا بأنفسنا.


هذا مثال بسيط لا يمكن تعميمه ولكنه حاصل، وموجود في نماذج كثيرة وفي مجالات واسعة، ولا يزال يوجد من يفكر لماذا يقوم بهذا العمل أو ذاك طالما يوجد مستقدم يقوم به.. مع أن كلاً منا وحتى أخانا المواطن المراسل نقدم القهوة والطعام لضيوفنا في بيوتنا دلالة على الكرم والاهتمام.
أمثلة كثيرة تعيدنا إلى أصل الحكاية مع غياب تعليم الحياة على أصولها مع ألف باء الحياة، ولكن أبجدياتها تبدأ عندنا بعد الوظيفة أو بعد الزواج، وساعتها تضيع مفردات جودة الحياة وندور في حلقة مفرغة من المشاكل، العارضة منها والمستعصية جيلا بعد جيل.
المصدر : www.kidworldmag.com