البوابة
الرسول القائد
أنها القيادة التي لا تستكبر أن تنزل على رأي مسلم كائناً من كان، ما دام الرأي سليماً صحيحاً. والقيادة الصالحة هي التي تعمم الشورى حتى لا يبقى أحد عنده رأي إلا قاله وخاصة فيما يكون فيه غرم.
أما معرفة الرجال ووضع كل في محله المناسب له وتكليفه بالمهمة التي يصلح لها، فكذلك لا يلحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد فيها.
إن أبا بكر وعمر كانا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقبهما الصحابة بالوزيرين له، وكان يسمر معهما في قضايا المسلمين، ولما مرض -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وهذا الذي جعل المسلمين يختارونه بعده خليفة، ثم كان عمر الخليفة الثاني، والناس يعرفون ماذا فعل أبو بكر وعمر يوم حكما الناس، فهل يشك أحد أن تركيز الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هاتين الشخصيتين كان في محله، وأنهما من الكفاءة في المحل الأعلى، وأن رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهما في محله. وهذان مثلان فقط وإلا فما اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً إلا ورأيت الحكمة في هذا الاختيار.
لكل مقام رجال وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر الخلق فراسة في اختيار الرجل المناسب للمقام المناسب.
6 - قدرته الكاملة -صلى الله عليه وسلم- على حل المشاكل الطارئة:
إن انهيار الدعوات والتنظيمات السياسية عادة ما يكون بسبب مشكلة طارئة لا تستطيع القيادة أن تحلها حلاً موفقاً، مما يؤدي إلى انقسام أصحابها أو ضربها والقضاء عليها. فكلما كانت القيادة أقدر على حل المشاكل كان ذلك أضمن لنجاح الدعوة.
وقد يحدث أن بعض القيادات تحل المشاكل حلاً غير مشروع، فتستعمل القوة مع أتباعها، فتبيد المعارضين أو تسجنهم كما نرى كثيراً من هذا في عصرنا الحاضر. إلا أن الظاهرة التي لا مثيل لها في تاريخ القيادات العالمية أنك تجد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدرة لا مثيل لها على حل المشاكل بكل بساطة، هذا مع سلوك الطريق الألطف مع الأتباع. والذي عرف العرب عن كثب يدرك كفاءة هذه القيادة التي استطاعت أن تشق الطريق بأقل قدر ممكن من المتاعب.
أنه لا توجد أمة في العالم أكثر مشكلات من الأمة العربية، فالعوامل النفسية التي تثير المشاكل كثيرة جداً، فكلمة قد تثير حرباً، وجرح كرامة قد يؤدي إلى ويلات، ونظام للثارات وشعور بالولاء وعواطف متأججة وعصبية عارمة وجرأة نادرة وقسوة وصلابة وعدم انضباط، وكل واحدة من هذه تحتاج إلى قيادة تتمتع بكفاءة منقطعة النظير، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائد الذي استطاع أن يدير أمر هذا الشعب القوي المراس ويحل كل مشاكله بكل بساطة.
وأبرز الأمثلة حله لمشكلة وضع الحجر الأسود قبل النبوة حين هدمت قريش الكعبة وأعادت بناءها.
في رواية ابن اسحاق للحادث قال: ثم أن القبائل جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البناء موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاوزوا وتحالفوا وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا لعقة الدم. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا فزعم (إذ يروي أن المشير على قريش مهشم بن المغيرة، ويكنى أبا حذيفة) بعض أهل الرواية: