طباعة

مشكلة أطفال صغار بعقول كبيرة

Posted in استشارات

baby-haكان الطفل رمزًا للبراءة والعفوية والنقاء، ولكن العالم تغيَّر من حولنا وتسارعت خطاه، ولا نستطيع الآن مثلاً أن نسرد على الأطفال قصة سندريلا أو الذئب المكار أو ذات الرداء الأحمر أو غيرها من القصص التراثية التي اعتاد الأطفال سماعها؛ لأنه وبمنتهى البساطة سيسخرون ممن يقص عليهم هذه الحكايات؛ بل الأكثر من ذلك أن الذي يقص هذه الحكايات قد لا يكون على درجةٍ من المعرفة مثل هؤلاء الأطفال وقد أصبحت ألعابهم المُفضَّلة الكمبيوتر وبلاي ستشن والأتاري وغيرها من الألعاب

 

الإلكترونية، هذا إلى جانب أن ثقافة الأطفال أصبحت مستمدةً من التليفزيون والدراما، خاصةً أن لغة الخطاب المُوجَّهة لم تعد تُفرِّق بين الصغار والكبار، وفي خضم هذا وذاك ضاعت براءة الطفل ولا نعرف أين ذهب الطفل الوديع بلغته وثقافته وأصبحنا نبكي عليها كما نبكي على الأطلال الضائعة.

تحكي سعاد محمود قصة طفلها البالغ من العمر عشر سنوات؛ حيث أرسلت مدرسة الفصل خطابًا لاستدعاء ولي أمره وعندما ذهبت الأم سألتها المدرسة إن كان ابنها يواجه مشاكل أسرية ولكن الأم نفت ذلك تمامًا، وعندما سألت الأم بدورها عن السبب قالت لها المُدرِّسة إن طفلها لا يُركِّز في الفصل والأكثر من ذلك أنه إذا نهرته المدرسة فإنه يرد عليها بألفاظ بذيئة، كما يشتكي منه زملاؤه لاستخدام العنف معهم.

وتقول إيمان محمود: لا أعلم أين ذهبت براءة الأطفال؟! فكنا نعيش في ماضينا بدون (دش وبلاي ستشن وجوال وإنترنت)؛ لذلك كانت طفولتنا بريئة، أما أطفال هذا الزمن فهم يستحقون الشفقة والرحمة.

سهيلة هذه الطفلة ذات الخمس سنوات تقول جدتها إن اللعبة المفضلة لها ولأختها البالغة من العمر أربع سنوات هي لعبة العريس والعروسة، فكل ما تريده هذه الفتاة الصغيرة هو أن ترتدي فستان الزفاف وأن تضع على وجهها أدوات التجميل تاركةً كل اللعب والهدايا التي يأتي بها الأهل وكثيرًا ما عنَّفتها الأم على ذلك ولكن دون جدوى.

محمد رضا هذا الطفل ذو الثلاث سنوات والتي اكتشفت الأم أنه يمكنه تشغيل جهاز الكمبيوتر أكثر مما تعرف هي منه، والمشكلة أنه ما يكاد يستيقظ من النوم حتى يجلس أمام الكمبيوتر، ورغم محاولات الأم بكافة الوسائل منع الطفل من الجلوس هذه المدة الطويلة أمام شاشة الكمبيوتر واستخدامها كل السبل لتحقيق ذلك إلا إنها فشلت.



ولاء محمود مُدرِّسة بإحدى الحضانات تقول: إن أطفال اليوم يحتاجون لرعاية خاصة وأسلوب تعامل خاص؛ لأنهم تقريبًا يحصلون على كل المعلومات في وقتٍ قصيرٍ، وتقول إن السمة الأساسية لهؤلاء الأطفال أن عقلهم أكبر من سنهم، وتروي بعض القصص مما تمر به يوميًّا داخل الحضانة فتقول: أحد الأطفال عمره أربع سنوات كان كثير الكلام والحركة، فقالت له: "بتكلم صاحبك في إيه؟" فردَّ عليها قائلاً: "معلش أصلي بكلمه في موضوع خاص بيني وبينه"، وطفل آخر قامت بتقبيله فوجدته يغمز لها بعينه ثم قام وقبَّلها، أما هذا الطفل الذي يفتح قميصه دائمًا وعنَّفته كثيرًا لهذا حتى قال لها الطفل: "أنا بافتح القميص مثل أحمد السقا".

وتضيف تهاني فريد أم لطفلين قائلةً: قمتُُ بعقاب ابنتي على فعلٍ ارتكبته فوضعتها في الغرفة لمدةٍ من الوقت، وعندما خرجت وجدتها تبكي بشدة وترفع يدها للسماء وتدعو "حسبي الله ونعم الوكيل".

وتقول هبة خضير- أخصائي اجتماعي بأحد الأندية- أصبح الأطفال يقلدون الكبار في كل شيء؛ يلبسون مثلهم، ويتكلمون حديثهم، ويضعون السلاسل في أعناقهم، والأوشام على أجسادهم، ويمثلون ويغنون، فلم يتركوا شيئًا يُميزهم عن الكبار.. يُفكِّرون ويفعلون أشياءً تمحي عنهم صفة البراءة.

منظومة تربوية

الدكتورة زينب حسن- أستاذ أصول التربية بكلية البنات جامعة عين شمس- تُعبِّر عن أسفها الشديد لما آلت إليه أحوال الطفل، وتشير إلى أن المستوى الذي وصل إليه حال الأطفال اليوم يرجع إلى منظومةٍ اشترك فيها الإعلام والأسرة والمدرسة، فهي تؤكد أن انشغال الأم في وظيفتها والأب في كسب الرزق لسد احتياجات الأسرة جعل الذين يقومون على تربية الأطفال إما خادمة أو كبار السن، ولم تصبح الأم هي المسئول الأمين عن تربية الطفل؛ لأنها تترك الطفل إما أمام التلفاز أو الكمبيوتر ليكف عنها أسئلته ومطالبه.

ولهذا فهي تُحذِّر من غياب الأب وانشغال الأم؛ حيث لا توجد فرصة كافية للطفل لمتابعته؛ لأنهم ليسوا موجودين، فالآباء لم يتركوا رصيدًا لأطفالهم كي يعملوا لهم حسابًا في تصرفاتهم.

ومن ناحيةٍ أخرى فهي ترى أن ترك الآباء لأبنائهم فريسةً لوسائل الإعلام المختلفة لتعرض أعمالها الدرامية السيئة لينتقل الطفل من قناةٍ إلى قناةٍ يجعل الطفل في النهاية يحصل على خليطٍ من الكلمات والصور والمواقف التي تدخل في تشكيله.

ثم تطرح الدكتورة زينب حسن سؤالاً مُفاده لماذا نتساءل بعد هذا: أين ذهب الطفل البسيط البريء وقد قتل الكبار فيه هذه البراءة؟ والأهل يفرحون عندما تقبل المدرسة أبناءهم في سن مبكرة، وكلما قُبل الطفل صغيرًا زادت فرحتهم، فهم لا يعرفون أنهم يجنون عليه بذلك، وتشير في الوقت نفسه إلى أن هذا الطفل يُعامَل معاملةً غير طيبة وغير آدمية عندما يحمل في هذه السن حقيبةً ثقيلةً ويمتحن تحريريًّا، وأن إحساس الطفل بالمسئولية في غير وقتها يقتل فيه براءة الأطفال، وكل هذا- كما توضح الدكتورة زينب حسن- يخرج من الطفل في صورة اعتراض و"لماضة" وعنف مع أقرانه وتداول الألفاظ السيئة بينه وبين الرفاق، هذا إلى جانب أنَّ ما يتعرَّض له الكبار من حسرةٍ وألمٍ يسقطونها سواء بوعي أو غير وعي على هؤلاء الأطفال.



أكبر من سنهم

ولعل هذا ما أكدته العديد من الدراسات البحثية ومنها هذه الدراسة المصرية عن أثر إدمان الأطفال للتليفزيون على نموهم العقلي والمعرفي؛ حيث أوضحت أن التليفزيون يعد هروبًا من الواقع وتزييفًا له، وأن ‏تأثير ذلك لا يقل عن تأثير المخدرات والكحوليات.

ووفقًا لأستاذ ورئيس قسم علم النفس التربوي بكلية التربية في جامعة المنصورة ‏الدكتور مصطفى الزيات، فقد أكد أن للتلفزيون تأثيرًا على زيادة العنف والعدوان على الأطفال؛ حيث قالت ‏الدراسة: "إن الكثير منهم يعتقدون أن القتل والخطف والاغتصاب هي الحلول العلمية ‏لعدة مشاكل، وأن برامج الأطفال المُوجَّهة لهم تخاطبهم بلغةٍٍ أكبر من سنهم؛ مما يدفعهم للتفكير في أمورٍ لا تناسب سنهم، حتى يصل الأطفال إلى قناعةٍ أن العنف وسيلةٌ من وسائل العيش في الحياة وحل المشاكل، وبما أن الطفل في مراحل عمره الأولى يتلقى معظم معارفه من والدته أو معلمته في رياض الأطفال أو المدرسة، فإنهن يتعرَّضن للكثير من المتاعب جرَّاء ذلك السلوك العدواني الذي يتولَّد لدى الأطفال، فإن حاولت إحداهن تقويم الطفل ومنعه من استخدام العنف في تعامله مع الآخرين فإن الطفل يرد بسلبيةٍ، ويتكَّون داخله كراهيةً تجاهها يتولَّد عنها عدم الاحترام؛ مما يصعب معه زرع أي قيمة، وأظهرت دراسة أخرى وزعتها وزارة الثقافة المصرية اعتمدت على تحليل مضمون 168 مسلسلاً وتعرُّض ‏176 طفلاً لها أنه كلما زاد تحكم الأبوين فيما يشاهده الصغار قلَّ تعرضهم للدراما ‏العربية المُعدَّة للكبار، وأنه كلما زاد تعرُّض الأطفال للدراما العربية تشوَّهت لديهم ‏الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة واهتزَّ البناء القيمي لدى هؤلاء الأطفال.‏

انفصال عاطفي

وإذا كانت الدكتورة زينب حسن قد أرجعت التغيرات التي طرأت على الأطفال إلى منظومة مشتركة بين الأسرة والمدرسة، وركَّزت على الإعلام بصفةٍ خاصة، فإن الدكتورةَ ليلى كرم الدين أستاذ علم نفس الطفل بجامعة عين شمس أكدت أن ما أصاب الأطفال اليوم في طريقة كلامهم وسلوكهم مع المحيطين إنما يعود بالدرجة الأولى إلى انفصال الأسرة وتفككها، فأوضحت أن الأطفال هم صنيعة آبائهم، وأنه كلما زاد الترابط والحب بين أفراد الأسرة أحب الأطفال تقليد الكبار حبًّا واقتناعًا لا خوفًا.

وترفض الدكتورة ليلى كرم الدين التركيزَ على عامل عمل المرأة كمبررٍ لهذه المشكلة، مشيرةً إلى أن أكثر الأمهات لا تعمل، ومع هذا نجد أن هذه ظاهرة مشتركة عند جميع الأسر، وموضحةً أن الإشباع العاطفي للأبناء قد يجده الطفل عند الأم العاملة؛ لأنها تريد أن تعوضه عن فترة غيابها عن البيت، وأن المشكلة الحقيقية في مدى الحب الذي يربط بين الآباء والأبناء، ومن ثَمَّ يكون التقليد والمحاكاة من الأبناء.

ومن منطلق تأكيدها على دور الأسرة الكبير والأساسي في هذه المشكلة ترى الدكتورة ليلى أن دور الإعلام والمدرسة هي أدوار ثانوية بالنسبة لدور الأسرة، وأن ما قامت الأسرة ببنائه لا يمكن أن يهدمه الإعلام، وهنا تشير إلى قول أحد المفكرين الغربيين حينما قال: "إذا قُدِّر للحضارة الغربية أن تنهار فسوف تنهار بسبب التفكك الأسري وانعدام دور الأسرة في حياة الفرد"، وإن كانت في الوقت نفسه تنصح بعدم منع الأطفال نهائيًّا من مشاهدة التلفاز، ولكنها ترى أهمية جلوس الكبار معهم ومناقشتهم فيما يشاهدون.

 

المصدر : www.kidworldmag.com

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed