طباعة

توقعت منك يا شيخ الأزهر

Posted in الثقافة

alazharبينما كنت أجلس أرقب أحداث العالم وأتابع بشغف ووجل في آن واحد ما يحصل للمسجد الأقصى المبارك من انتهاك لحرماته واعتداء على مقدساته ومحو همجي بربري لتاريخه وما يمثله من حاضر الأمة ومستقبلها، وبينما كنت أرقب إخوة لي يكادون يموتون جوعاً وهو محاصرون في رحاب المسجد القبلي، ولما تنتبه لهم بعد قيادات الأمة وحكامها، ووسط مشاعر مختلطة من الأمل والألم؛

 

إذ طلع على شاشة التلفاز إمام وشيخ الأزهر وقد جمع حاشيته وبرى يراعه وأخذ أهبته وحشد وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، لا لشيء إلا لكي يعلن بكل حزم وجسارة عن منع الطالبات من ارتداء النقاب داخل حجر الصف في الأزهر الشريف.

انتهى المؤتمر الصحفي وانفض السامر وانصرف السامري، وتمخض الجمل فولد فأراً مسخاً مشوهاً، وليته ولد مثل الفأر إذ فيه ما فيه من الفوائد والمنافع التي لا يعلمها إلا علماء الطبيعة والأحياء، بينما لم يقدم شيخ الأزهر ما يطبب جراحات الأمة ويخفف آلامها ويشفي عللها، ولو بحجم الفأر.

ظننت للحظة، ويا لكذب ما ظننت و "إن بعض الظن إثم"، أن قشعريرة الحق وزفرة العز ورعشة الكرامة قد لقيت طريقها إلى قلبك وجدانك يا شيخ الأزهر، وأن أخبار وسِيَرَ العلماء الذين خَلَفتَهم في الأزهر الزاهر، وويح أم يهود فما عاد يزهر، قد أيقظت فيك مشاعر العزة والكرامة والانتصار لدين الله ولشريعة محمد بن عبد الله الذي أصاب أمته ما أصابها من ذل وقهر وهوان.

لكم هالني ذلك الموقف، ولكم استفز ذاكرتي ووجداني التي ما زال عالقاً فيها أخبار العلماء الصالحين الذين أناروا للأمة دروب العزة وأخذوا بيدها إلى فضاءات السؤدد والرفعة والسمو، أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وبائع السلاطين العز بن عبد السلام وعز الدين القسام وغيرهم كثير.

<hrdata-mce-alt="2" class="system-pagebreak" />

لم أكن أتوقع أبداً أن يبلغ الهوان ذاك المبلغ بمن هو في موقع عالم من علماء الإسلام يتربع على سدة مؤسسة إسلامية زاهرة رائدة حملت لواء التنوير والتحرير سنوات مديدة ورفعت رايات الجهاد دهراً بعد دهر وقادت حركات التحرر والتحرير جيلا بعد جيل.

توقعت منك يا شيخ الأزهر أن ترفع عقيرتك وأن تعلي صوتك فتنتصر للأقصى المكلوم الذي يدخل حصاره اليوم السابع وما تحركت بعد ضمائر العرب والمسلمين ليستجيبوا لغياثه أو يثبوا لنصرته أو ينتفضوا لفك الحصار عنه. توقعت أن تقول: إلى هنا وكفى فقد بلغ السيل الزبى وما عاد في القلب متسع للحقد والكراهية ولا بد للدم من أن يتكلم.

توقعت منك يا شيخ الأزهر أن تقول كفى، أو بالمصري كفاية، لقتل أهلنا في غزة وكفى لتجويعهم وحصارهم وقتلهم بدم بارد، وعلى أيدي من؟ على أيدي إخوانهم المسلمين في أرض الكنانة وعلى مسمع ومرئى من العالم كله، وأنت ساكت صامت لم تحرك ساكنا ولم تنبس ببنت شفاه.

توقعت منك يا شيخ الأزهر أن تنتصر لآهات المعذبين وأنات المكلومين وصيحات اليتامى والمساكين في العراق وفلسطين، وأن تمد يد العون للثكالى والمحرومين فتمسح عرق الشقاء عن جبينهم وترد إليهم بعض كرامتهم المسلوبة.

توقعت منك يا شيخ الأزهر أن تقول للخائن كفاك خيانة وقد تاجرت بدماء شعبك وأمتك وضحيت بشلال الدم الذي أريق على أرض غزة بحفنة "دولارات" أو بالأصح بشركة "موبايلات"، وأن تقول للشعب الذي يحكمه بالحديد والنار أن: قم وخذ ثأرك ممن باع أرضك وتاجر بقضيتك وساوم على مقدساتك وضيع حقوقك وحقوق إخوانك اللاجئين والمفرقين في أصقاع الأرض.

توقعت منك يا شيخ الأزهر أن تقول لزمرة الظلم وزبانية يهود في الضفة المجروحة أن أطلقوا الأسود من سجونها وذروها تزأر وتزمجر كي ترهب أعداء الله من يهود وكي تذود عن حياض الأمة وتدافع عن كرامتها وقد أعتدي على مقدساتها وامتهنت كرامتها وديس على رمز دينها ومسرى نبيها.

<hrdata-mce-alt="3" class="system-pagebreak" />

توقعت منك يا شيخ الأزهر أن تثب وثبة الحر الأبي فتقول تباً لكل معاهدة أو صلح مع بني صهيون لا يرجع لصاحب الحق حقه ولا يرد للمظلوم ظلامته ولا ينتصر لكرامة الأمة وثرواتها المسلوبة.

توقعت منك يا شيخ الأزهر أن تعلن الجهاد المقدس الذي لطالما سمعت كلمته مآذن الأزهر وارتجت ساحاته بصيحات المجاهدين وتكبير المكبرين وحمد الفاتحين. توقعت منك أن تعيد تاريخ أجدادك من شيوخ  الأزهر وعلمائه الربانيين الذي وقفوا في وجه المحتل وقادوا حركات التحرر والتحرير وحملوا على عاتقهم مسؤولية التعليم والتنوير.

توقعت منك وليتني ما توقعت، فقد أفقت من سباتي وصحوت من حلمي واستعدت ذكرياتي وتذكرت يوماً أنك قد تلطخت يدك بدم إخوانك المسلمين حين صافحت يداً ذبحت أطفال المسلمين في قانا وفي غزة والضفة، وتذكرت أن من يمد يده لأعداء الله فلا يمكن له أن يمد لسانه بكلمة حق، وتذكرت أن العلماء الحقيقيين هم أولئك الذين رفضوا أن يمدوا أيديهم لمصافحة الظالمين من حكام المسلمين، فمدوا لهم أرجلهم وأقدامهم غير هيابين ولا وجلين، فكيف بأعداء الله من اليهود الظالمين المعتدين.

هو التاريخ يعيد نفسه، وهي مسرحية الحياة تتكرر بشخوصها ومواقفها وأحداثها، ولكن العبرة أن التاريخ لا يأبه إلا بالأبطال الذي صنعوا الأحداث العظام ولا يبالي بالصغار الذين مثلوا أدواراً هامشية وضيعة. سوف يطويك التاريخ ويلفك النسيان يا شيخ الأزهر ولن يذكرك الدهر طويلاً، وإن ذكرك فسوف يذكر مثالبك ومواقفك الانهزامية التي خفرت بها ذمة الله وذمة المؤمنين الموحدين في أصقاع الأرض. سوف يعود للأزهر زهاءه وبهاءه لأن الله-تعالى- سوف يبدله بمن هو خير منك وأصدق حالاً وأبلغ مقالاً وأشد عزيمة وأقوى مضاءاً وأشجع سيرة وأنقى سريرة ]وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً[النساء، 45.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed