طباعة

الفلوس والنفوس

Posted in المجتمع

وقد أوضحت دراسات "كانيمان" وغيره أن المستثمرون – مثلهم مثل بقية الناس – يستجيبون انفعاليا للأخبار والحقائق وربما الإشاعات , وأن الفكرة النمطية السائدة بأن رجال المال ليست لهم قلوب بمعنى أنهم يتعاملون فقط بعقولهم الموضوعية التحليليلة هي فكرة غير حقيقية , فقد تبين في مواقف كثيرة وخاصة عند الهبوط الحاد في البورصة أن مستثمرين كبارا ينتابهم قلق زائد وربما يصابون بحالات اكتئاب , مما يؤدي إلى اضطراب قراراتهم في البيع والشراء , ويؤدي أيضا إلى اضطراب حياتهم الشخصية والعائلية . وتأتي أهمية دراسات "كانيمان" في أنه وضع أسسا حقيقية لتفاعل العامل البشري بكل جوانب قوته وضعفه مع العمليات الإقتصادية بتعدد وتعقيدات العوامل المؤثرة فيها , وقد يشكل هذا قاعدة لوضع نظم مالية أكثر واقعية وأكثر استقرارا , أو على الأقل يجعلنا نفهم ونتوقع حركة السوق صعودا وهبوطا بشكل منطقي وواقعي , فلا نفاجأ بهبوط هنا أو انهيار هناك , ويجعلنا لا نضع مستقبلنا ومستقبل أبنائنا بل ومستقبل العالم في أيدي مجموعة من المستثمرين الذين يمكن أن يسقطوا في لحظة ما وفي ظروف ما وربما بشكل مفاجئ , أي أننا بحاجة إلى التفكير في كيفية تحقيق "الأمن الإقتصادي المحلي والعالمي" , فرجال المال والإقتصاد وحدهم ليسوا قادرين على هذا الأمر كما كنا نظن .

وقد تكون هذه الجهود وغيرها بداية لظهور تخصص جديد يسمى "علم النفس الإقتصادي" , بحيث يستفاد من مبادئ علم النفس في دعم العاملين في حقل الإقتصاد , وتحسين مهارات التعامل والإستثمار والتنمية واتخاذ القرار , وربما يحقق هذا جزءا من النبوءة بأن القوة القادمة في العالم هي قوة "علم النفس" , تلك القوة التي لوتغلغلت بشكل صحيح في أي مجال دفعته بقوة ليصل إلى أعلى مدى له من خلال التوظيف الجيد لقوانين ونظريات النفس المعروفة لتلتقي وتتضافر بشكل صحيح مع قوانين ونظريات الطبيعة والحياة.

طبيعة البورصة وعلاقتها بالحالة النفسية:

ويختلف الإستثمار في البورصة عن الإستثمارات التقليدية الأخرى , فالبورصة فيها الكثير من العوامل التي لا يملك المستثمر السيطرة عليها , فهو يشتري أسهما في شركات لا يديرها هو وربما لايعلم كل شئ عن أحوالها فضلا عن أسرارها , كما أن هذه الشركات تتعرض للصعود والهبوط بناءا على عوامل داخلية فيها وبناءا أيضا على عوامل خارجية فى السوق المحلي والسوق العالمي . ولكي نرى الأمر بشكل أكثر شمولية وتعقيدا فإن أحوال الشركات التي تضمها البورصة تتأثر بالأحداث السياسية والإجتماعية والنفسية في المجتمع المحلي والمجتمع العالمي , وهذا يجعل أمر التنبؤ بأحوال الشركات وبأسعار الأسهم صعودا وهبوطا أمرا صعبا حتى على المستثمرين المحترفين الذين يقومون بعمليات تحليل علمية لأحوال السوق ويتخذون قراراتهم بناءا عليها . وهذا لا يعني أن عمليات التحليل هذه غير مفيدة وغير مؤثرة بل هي في الحقيقة تؤدي إلى درجة من المعرفة الموضوعية والحقيقية لأحوال السوق وتقلباته وتؤدي إلى زيادة المكسب وتقليل الخسائر , ولكن مع هذا لا تملك التنبؤ الكامل بكل الأحداث والتقلبات , نظرا لكثرة تلك الأحداث وفجائية التقلبات أحيانا كثيرة . وبناءا على هذا نجد أن بعض الناس لا يفضلون التعامل في البورصة ويقومون باستثمار أموالهم في مشروعات تقليدية كإنشاء مزرعة أو سوبرماركت أو مستشفى أو مصنع ,

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed