طباعة

قيمة العقل في الإسلام ! ماذا جرى؟

Posted in الثقافة


أنا أعرف أن الإسلام هو دين العقل، وهو الدين الذي حارب الخرافة والأساطير، ودعا صراحةً إلى طلب العلم والمعرفة، وأعرفُ أن العقلانية الإسلامية المؤمنة جعلت من المنهاج الإسلامي ومن النموذج المعرفي الإسلامي ثورة على الجمود والتقليد، كما جعلت من البرهان سبيلا للإيمان بدلا من الظنون.. وأعرفُ أن الحضارة الإسلامية قامت على أكتاف جمهور ضخم من علمائها انطلقوا من آيات القرآن ومن الأحاديث النبوية الشريفة يطلبون العلم بكل طريقة وفي كل صوب، ولم يستشعروا قط اهتزاز العقيدة وهم ينفتحون على مختلف نواحي المعرفة (العلوم الطبيعية والأدبية) سواء فيما يتعلق بإنتاجهم المعرفي الذاتي أو بالنقل عن معارف الحضارات الأخرى غير الإسلامية، ولعلني ضربت المثل على ذلك من قبل على مجانين في مقال: الماء والنساء : ماء المرأة في الإرجاز، فقد أسس فقهاؤنا وأطباؤنا لمبادئ التفكير العلمي المؤمن كما يظهر من ذلك المقال، ولذلك كان من المقتضيات المنطقية أن الإسلام دين العقل ودين العلم لأنه يتفق مع ما يقود العقلُ والعلم إليه، وفي نفس الوقت هو الدين الذي حذر من اتباع الظن، وجعل البرهان والحجة أساس الإيمان:(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (الأنعام:148)

وأعرفُ أن الشاعر المسلم محمد إقبال كان له رأي أورده في كتابه "تجديد الفكر الإسلامي" مؤداهُ أن محمدًا عليه الصلاة والسلام، كان لابد أن يكونَ خاتم الأنبياء لأنه جاء برسالةٍ تدعو إلى تحكيم العقل فيما يعرضُ للناس من مشكلات، وما دمت قد ركنت إلى العقل، فلم تعد بحاجة إلى هداية سوى ما يمليه عليك من أحكام، وأعرف أيضًا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاء بمعجزةٍ عقلية لا حسية مباشرة هي القرآن الكريم، وأعرفُ أن العقل هو شرط وأساس التكليف، وأن العقل وكيل الله عند الإنسان كما يقول الجاحظ.، وأعرف كذلك أن مثال العقل: البصر السليم من الآفات والأذى، ومثال القرآن: الشمس المنتشرة الضياء، فأخلق أن يكون طالب الاهتداء المستغنى إذا استغنى بأحدهما عن الآخر في غمار الأغبياء. فالمعرض عن العقل، مكتفيا بنور القرآن، مثاله: المتعرض لنور الشمس مغمضا للأجفان، فلا فرق بينه وبين العميان. فالعقل مع الشرع نور على نور» كما يقول الغزالي في إحياء علوم الدين.

ويقول الدكتور محمد عمارة : ((فالشرع هو الدين جعل العقل مناط التكليف، أي جوهر إنسانية الإنسان.. والقرآن ـ وهو المعجز ـ لم يأت ليدهش العقل، فيشله عن التفكير ـ كحال المعجزات المادية ـ وإنما جاء ـ القرآن ـ معجزة عقلية، تحتكم إلى العقل في فهمه وتديره أو استنباط الأحكام من نصوصه، والتمييز بين المحكم والمتشابه في آياته.. بل لقد جعل القرآن من البراهين العقلية السبيل للبرهنة على وجود الخالق، وعلى الخلق في هذا الوجود.. فالمنهاج القرآني يقدم الإيمان بوجود الخالق الواحد على الإيمان بالنقل وبالرسالة التي حملت إلى الناس هذا النقل، وذلك لأن الإيمان بصدق النقل متوقف على الإيمان بصدق الرسول، والإيمان بصدق الرسول متوقف على الإيمان بوجود من أرسل هذا الرسول، فلا بد من الإيمان أولا بوجود الخالق، الذي بعث الرسول، وأنزل عليه الكتاب.. وطريق ذلك هو العقل، الذي يتدبر المصنوعات فيؤمن بالصانع القدير لهذه المصنوعات..

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed