طباعة

أثر الاستقلال السياسي في الإبداع الحضاري

Posted in الثقافة


لقد استطاعت السياسة الاستعمارية منذ زمن خروج جيوشها العسكرية والإدارية من البلدان العربية، إحداث إدارات محلية موالية لها ولسياساتها، خاوية الوفاض من القيم الدينية والعقدية، وبعيدة كل البعد عن الخطاب القرآني والشريعة الإسلامية، حتى يتم تغييب هذا الخطاب بداخل كل مشاريع التسيير السياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات مع أعداء الأمة، الذين لا تزال الثقافة الصليبية تحركهم بشكل لا تغمض لهم معه الجفون، ولا يتعبون من تسخير كل الطاقات المادية والمعنوية للنيل من هذه الأمة وإخضاعها وإذلالها ولو بافراد من أبنائها. إنها مأساة الثقافة الإسلامية في زمن الاستتباع الحضاري الشامل، التي لن تخرج من حالها الراهن ما لم تراهن على المستقبل، بالتخطيط له وإعداد القنوات المفضية إليه, وإلا ظل وضع الأمة، شعوبا وثقافة، كما هو عليه إلى إشعار آخر.
لابد من التأكيد هنا على دور الثقافة والمثقفين في الحياة العامة للأمة، إذ هم ضميرها الحي، الحاملون لتطلعاتها، والمنشغلون بهمومها الداخلية والخارجية؛ وبذلك يقع عليهم عبء الدفاع عن واقع الأمة وخصوصيتها وهويتها، والوقوف في وجه كل ما من شأنه تقويض دعائمها الحضارية، بدءاً بتشخيص الأخطار التي لا تخفى على أحد من المتتبعين للشؤون العامة، والتي أدت إلى حالة من التدهور والتراجعات. وعليه تكون الخطوة الأولى في بناء هذه الثقافة البانية المتحدية للأخطار والاختراقات، العمل على توحيد صفوف المثقفين، بالاتفاق، على الأقل، على القوا سم المشتركة التي بها تتصدى للمعوقات التي تحول دون قيام وتحقيق المشروع الحضاري الإسلامي المعاصر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن من أهم ما ينبغي أن يعمل مثقفونا على تحقيقه، كمقدمة لإنجاح المشروع الحضاري، بناء الانسان المتكامل الذي يستطيع تحمل ثقل المشروع وصعوباته من أجل بناء (دولة الانسان) في نهاية المطاف، وإلا ستظل المشاريع النهضية مجرد ردود أفعال تطفو على السطح كلما تزعزع كيان الأمة من جراء التحولات التي تطرأ على المنظومة العالمية. إنه البناء، الذي يستطيع من خلاله الانسان التمييز بين الثقافة الاستهلاكية والثقافة الإبداعية، مهما كانت الحالة الحضارية لبلاده.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed