طباعة

مفهوم الدين بين الفكر الإسلامي والمسيحي

Posted in الثقافة

ومع أهمية الأخلاق في المنظومة الدينية لدرجة أضحت بعض الديانات منظومات أخلاقية خالصة تكاد تخلو من إشارات عقائدية كالبوذية فأصبحت عند بعض الباحثين مذهبا أخلاقيا. ولكن هذا لا يعني الادعاء بأن الأخلاق هي جوهر الدين17.

لقد شجع المسيحيون الاتجاه الأخلاقي للدين فرسموا للمسيحية أسمى صيغة خلقية، ولكن يؤخذ على هذا الرأي استبعاده للعناصر النظرية والعاطفية في الحياة الأخلاقية أي أنهم يُقصون أجزاء من الدين.

إن التأكيد على الواجب الأخلاقي وحده قد ينفي الشعور بالواجب نحو الله و الاستغناء عنه، فالتعاليم الأخلاقية الإسلامية ترنو إلى تحقيق سعادة الإنسان بقدر ما ترنو إلى رعاية مصالح الآخرين، وهي كما يذكر مالك بن نبي تدفع الفرد على أن ينشد دائما ثواب الله قبل أن يهدف إلى تحقيق فائدة بعينها18.

فالدين ظاهرة سوسيولوجية تضطلع بأدوار عديدة ليست أخلاقية فحسب بل تمتدُّ إلى أصعدة سياسية واقتصادية، وعلى الباحث أن يدرس هذه الأدوار بذاتها، فالمطلوب علميا هو درس ما يحدث في المجتمع، وتحديد نسبة الحدث الديني وقوته، وتبيان أثره وتأثيره، وخصوصا تأثره بالمجتمع الذي يعتنقه وهذا موضوع علم الاجتماع الديني19.

وهنا يتضح القصور في فهم الظاهرة الدينية، باعتبارها وليدة المجتمع فهو الذي ينتج الظاهرة الدينية ويوجهها فهي معرفة أنتجها البشر، لا وحيا ولا سرا يتعذر فهمه.

تبعا لما سبق فإن العقائد الدينية هي من إنتاج مجتمعاتها عبر تغيُّرها وتطورها، وليست من إنتاج أفرادٍ، أو رجال دين، أو أنبياء، أو رسل أو كهنة، أو عرافين.. فهؤلاء الأفراد الذين يحترفون المهنة الدينية المقدسة هم من المجتمع، وهم يمثلون المقدس في الحياة الاجتماعية؛ لذلك فإننا لا نكاد نعثر في قاموس علم الأديان المقارن الغربي على مفاهيم حول النبي أو الرسول؛ لأنه وفق الأطر المنهجية المتبعة يعجز هذا العلم عن شرح هذه الظواهر؛ فيفضي ذلك إلى إقصائها عمدا من قاموسه.

وهذا من شأنه أن يخلف نقصا فظيعا في دراسة الظاهرة الدينية بتجريدها من المعاني الباطنية التي تميزها وبذلك يلغي المعرفة الدينية الخالصة.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed