طباعة

المصريون والشعوذة

Posted in المجتمع

إذن فالشعوذة هي التطبيق العملي للتفكير السحري والخرافي , وهي تتضمن ممارسات كثير سنتحدث عنها لاحقا .

ولست أنسى ذلك اليوم الذي دخل عليّ فيه أحد المرضى وحين ذكر اسمه لم أكن أصدق أن الذي يجلس أمامي هو أحد المعالجين الروحانيين ذو الشهرة الواسعة لسنوات طويلة , والذي راجت حوله الكثير من الحكايات بأنه اختفى لعدة سنوات ثم ظهر بعدها ليقول بأن الجن سحبوه ليعيش معهم تحت الأرض وخلال هذه السنوات علموه ممارسة الطب , وظل يمارس ذلك سنوات عديدة , وكان رواده بالآلاف كل يوم يأتون إليه من مصر وسائر بلاد العرب , أما الآن فقد حضر , أو بالأصح أحضره ذووه ليعالج من اضطراب نفسي كان هو وراء المعتقدات التي راجت بين الناس حول قدرته الخارقة على علاج الأمراض ونسج الكثير من الأساطير حوله .

وفي سن الشباب سمعنا أن أحد الأشخاص له كرامات هائلة ومريدين بالآلاف ويقام له مولد سنوي وهو بعد على قيد الحياة , فذهبت أنا وبعض زملائي نستطلع الأمر ونرى هذا الشيخ المبروك صاحب الكرامات , وهناك جلسنا في خلوته ننتظر حضوره , وسمعنا العديد من القصص من مريديه فمثلا قالوا أنه يوقف القطار ويؤخره عن موعده إن كان لديه ضيوف قد تأخروا عن القطار لبعض الوقت , وأنه يقوم بالتفل في أفواه المرضى فيشفون بسرعة بعد أن أعياهم المرض ويئسوا من علاجات الأطباء لسنوات طويلة , وأنه بمجرد أن يضع يده على فرج زوجة عقيم وعلى ظهر زوجها يحدث الحمل بعدها مباشرة . وحين حضر الشيخ "سيد" كان يلبس جلبابا قديما وبدون ملابس داخلية وتفوح منه رائحة عفنة فيبدو أنه لم يستحم منذ فترة طويلة , وهو بالمناسبة لم يكن يصلي , إذ حسب ما قال مريدوه أنه تجاوز مرحلة العبادات الظاهرة وأصبح في حالة تواصل مباشر ومستمر مع الله . ويبدو أن حماس الشباب لدينا جعلنا نثقل في الأسئلة على الشيخ وعلى مريديه ففهموا أننا متشككين فيما يقال , فطلبوا منا بلغة حازمة ومهددة عدم إرهاق الشيخ والتوقف عن الأسئلة وترك المكان للمريدين المحبين للشيخ , فقمنا وخرجنا وشعرنا بأننا كنا على وشك أن يفتكوا بنا لو طال بنا الأمر بضع دقائق أو اندفع أحدنا بسؤال فيه جرأة أكثر من اللازم .

وقد تعلمت هذا الدرس وأفادني حين كنت أتسلل إلى بعض جلسات إخراج الجان أو جلسات السحرة أو المشعوذين للرؤية والإستطلاع بحكم المهنة وبدافع الفضول , فكنت لا أظهر انفعالاتي الحقيقية تجاه ما يجري , ولا أسأل بشكل نقدي مباشر حتى لا يفتضح أمري ويفوتني الهدف الذي ذهبت من أجله وأتعرض لمخاطر لا تحمد عقباها .

حجم الظاهرة :

تتفاوت نتائج الدراسات حول ظاهرة الشعوذة والدجل في المجتمع المصري طبقا لزاوية الرؤية , ومدى اجتهاد الباحثين في التقصي , ولهذا سنذكر أرقاما من نتائج دراسات متعددة لعلها تعطي تصورا لحجم انتشار الظاهرة .

ففي إحدى الدراسات المنسوبة لمركز البحوث الإجتماعية تبين أن المصريين ينفقون حوالي 10 مليار جنيه سنويا على الدجالين , حيث ينفق هذا المبلغ على 300 ألف دجال في مصر , مؤكدا زيادة أعداد هؤلاء الدجالين والمشعوذين , وازدياد روادهم من المتعلمين والمثقفين , وأن هناك الآن ما يعادل دجال لكل 240 مواطن (باستبعاد المصريين المقيمين في الخارج من التعداد العام) .

وأن 50% من نساء مصر يؤمنّ بالدجل وقدرة المشعوذين على حل المشكلات , وأن هناك 275 خرافة تعشش في عقول المصريين وتؤثر في سلوكهم . وقد تركز الدجالون بوجه خاص في مدينة القاهرة حيث يصل عددهم إلى ما يقرب من  100 ألف دجال .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed