طباعة

كيف يفكر المرتشي

Posted in المجتمع

أما في الجانب الانفعالي فالمرتشي لا يشعر بالرضا عن ذاته، ولا عن واقعه، ولذلك لا تستقر مشاعره ولا يقل طمعه. إنه لا يرى التفوق إلا من خلال طريق واحد، هو الغنى والثراء الفاحش، وهو يشعر بالحسد والغيرة ممن هم أغنى منه، وفي المقابل يشعر بالتهديد من قبل أشخاص آخرين قد يكونون أقل منه غنى إذا اعتقد أنهم سيسبقونه في المستقبل، وربما يكون هذا السبق بأدوات لا يملكها. إن رؤية المرتشي لنفسه أنه لم ينل الذي يستحقه من المكاسب، ويعتقد أن عليه الوصول لهذه المكاسب – التي هي حقه – بالطرق المشروعة وغير المشروعة، وحين يصل إلى هذه المكاسب سيعتقد أنه أصبح يستحق مكاسب جديدة، من مال أكثر، أو وضع أفضل.

وتنعكس هذه الرؤية في شكوى المرتشي الدائمة، فهو يشكو من "غياب العدالة"، وحين يكون صريحاً في بحث موضوع المال الذي يأخذه فإنه يدعي أنه يحاول "إنقاذ" حقه من أعدائه الظالمين ومن المجتمع الظالم، لهذا يصر على النظرة السوداء للمجتمع والواقع، ويحرص على إثباتها، وربما تثبيتها في الواقع وزرع أدلتها.

ومع استمرار المرتشي في اتباعه لأطماعه، وبطرق غير مشروعة، يتكون لديه الخوف من المواجهة والشعور بالعجز، على الرغم من استمراره في جمع المال والمكاسب. إنه لا يشعر بالإنجاز والتفوق مع كثرة ما يحقق من المكاسب، وتكون وسيلته لمعالجة مخاوفه هي البحث عن مصدر قوة جديد، وفي كثير من الأحيان يحاول الحصول على هذا المصدر من خلال تأسيسه لعلاقة دائمة مع أصحاب المال والأعمال (طبقة دافعي الرشوة)، ليقوم هؤلاء بتمويل أطماعه وحماية مكاسبه، وتتأسس علاقة معقدة، يعتقد فيها كل من الطرفين أنه الأقوى والمسيطر وصاحب السلطة والمبادرة، والقادر على تهديد الطرف الآخر، وعند هذه المرحلة أيضاً لا يشعر المرتشي بالأمن، لكنه يجد الموقف الذي يعبر فيه عن سلطة وتفوق ينسبهما لنفسه.

لقد عرضنا في هذا المقال وصفاً لسلوك الرشوة ومعالم شخصية المرتشي، أما كيفية نشوء وتطور هذا السلوك فربما نحتاج للتفصيل فيها في مقال آخر، لكن يمكن أن نشير هنا إلى بعض نماذج التنشئة الأسرية التي تقدم فيها المكافآت والعقوبات بشكل يشبه الرشوة، بحيث يغيب التوجيه المرافق الذي يحدد الخطأ ويعزز الصواب، ولا يلاحظ فيها اقتران المكافأة بلذة الإنجاز التي يشعر بها الطفل عند قيامه بالسلوك الحسن.

وتؤكد الدراسات والأدبيات أنه على الرغم من ارتباط الرشوة بأوضاع اقتصادية أو نماذج اجتماعية محددة، فإنه يبدو أن العامل الحاسم في وجود هذا السلوك هو توجهات المرتشين أنفسهم واستسلامهم لأطماعهم، ولهذا لا يمكن اعتبارها سلوكاً سوياً مقبولاً، وإن انتشرت في بعض الحالات والمجتمعات. وقد جاء في حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام: "لعن الله الراشي والمرتشي".

 

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed