البوابة
تفسير الأحلام بين العلم والخرافة
تزييف الوعي واللاوعي :
جلست كثيرا لأتابع برامج تفسير الأحلام على القنوات المختلفة وكنت في البداية لا آخذها على محمل الجد بل أعتبرها نوع من التسلية العقلية والترويح الجماهيري , ولكن مع الوقت بدأت أنتبه أن الجمهور يأخذها " بجد فعلا " بل ويحددون على أساسها كثيرا من قرارات حياتهم المصيرية في الزواج والطلاق والسفر والعمل وغيرها ,
وهالني ما أشاهده وأسمعه من حكايات وتفسيرات وجدت أنه يدخل في باب تزييف الوعي أو تشويه الوعي أو تسطيح الوعي أو تخدير الوعي أو كل هذا مجتمعا من خلال تفسير محتويات الحلم والتي تنتمي غالبا لمنطقة اللاوعي (النفسي والكوني) , وأن ما يحدث ينتمي بمجمله إلى ما نسميه في علم النفس بالتفكير الخرافي الذي لا يستند إلى منهج أو مرجعية , وأن مفسري ومزيفي ومشوهي الأحلام في معرض بحثهم عن مرجعية يحاولون إلباس ما يقولونه لباسا دينيا حتى يكتسبوا مصداقية لدى الجمهور الساذج المنبهر المخدوع المستلب . وتتأكد هذه الملاحظات يوما بعد يوم مع أصوات المشاهدات الساذجات وهن يلهثن بالدعاء للشيخ (اللاشيخ) ..... لأنه بتفسيره لحلمها جعلها تتزوج فلانا أو تطلق من علان , أو تقبل كذا وترفض كذا , ويستقبل المفسرهذا الثناء والدعاء والإطراء بكلمة شكر مقتضبة وبحس بارد , وكأنه يقول لها "هذا أمر مفروغ منه" . وحكاية "الشيخ" هذه تحدث لبسا كثيرا , فالجمهور يستقبله على أنه يمثل رأي الدين خاصة وأنه يشيع أنه أحد علماء الأزهر , وهذا غير صحيح فقد انتقده وهاجمه كثيرون من العلماء الراسخين , وبينوا شطحاته وادعاءاته , وأعلنوا براءة الأزهر مما يقوله خاصة وأن الأزهر ليس به قسم يسمى " قسم تفسير الأحلام ". وهذا الكلام الذي نقوله قد ينطبق بعضه على شخص بعينه وينطبق البعض الآخر على شخص ثان أو ثالث , وهذه حقيقة , فكثيرون هم من يمارسون تزييف وتحريف الوعي من خلال ما يسمونه تفسير الأحلام , وبعضهم حين أدرك خطورة ما يفعله تاب وتراجع , وبعضهم مازال مستمرا تحت تأثير بريق الشهرة والمال . وقد تقابلت مع أكثر من واحد منهم بعضهم لم يكمل تعليمه والبعض الآخر كان نجارا أو سبّاكا أو سائق ميكروباص أو بائعا متجولا (مع احترامي الشديد لأصحاب هذه المهن الحقيقيين الشرفاء) , فتمرد على مهنته ولبس ثوب المشيخة زورا وبهتانا وقرأ بعض الكتب الصفراء أو الحمراء أو السوداء , واستثمر قدراته الشخصية على إبهار العامّة والسذج بمعسول الكلام , وهو يحقق القاعدة الشعبية الفاسدة "كذب مساوي ولا صدق مشوبر" , فهو في الحقيقة يتقن كذبه ويعرضه بشكل جذّاب , فإن شئت قلت هو "مسيلمة الجذّاب" في هذا العصر .
- السابق
- التالي >>